"رايس"... والقفز في قطار "السلام"!
ربما لا تريد "كوندوليزا" أن يكون هناك عراق. ولكنها تريد أن تكون هناك دولة فلسطينية، حيث تشي نبرة صوتها وهي تتحدث عن تلك الدولة بأنها مفعمة بدرجة أكبر بكثير من الأمل، وهو ما يرجع في النهاية إلى أن النجاح في قضية الشرق الأوسط هو في الأساس شيء يتعلق بالإرث الذي تريد الإدارة أن تخلفه وراءها.
ورايس التي يصفها بوش بأنها أقوى امرأة في التاريخ، امرأة منظمة للغاية.. فهي مثل رئيسها تحب الجداول، والمواعيد، والأعمال الروتينية، وهي صفات تقول في كتابها الجديد المعنون "حياة أميركية" إنها قد اكتسبتها منذ الطفولة، وإن تلك الصفات قد دفعت عائلتها كي تنتخبها رئيسة لها. وهو منصب كان يمكِّنها من تحديد التفاصيل التنظيمية الدقيقة للرحلات التي تقوم بها العائلة. أما فيما بعد، فإن "كوندي" تقول إنها قد تخوفت من تولي وظيفة كبيرة الدبلوماسية الأميركية، لأن ذلك كان يعني أنها ستضطر للسفر كثيراً بعيداً عن عاداتها المألوفة.
لذلك كان من الأمور الدالة في مؤتمر "أنابوليس" أن تكون رايس هي من أشرف على النواحي التنظيمية في المؤتمر المصمم -كما بدا واضحاً- من أجل إنقاذ صورة وزيرة الخارجية الأميركية وصورة رئيسها، الذي قضى في ممارسة التمرينات البدنية، وقتاً أطول من الوقت الذي قضاه في التفكير في عملية السلام.
فبعد أن عطل الجهود الدبلوماسية الخاصة بهذه القضية في فترة رئاسته الأولى، يسعى بوش في الوقت الراهن إلى دفع القضية إلى الأمام من خلال الدبلوماسية وذلك من خلال استخدام نهج "الكاوبوي" في مقاربة قضية السلام. فهو يريد أن يوحي للآخرين بأنه يأخذ عملية التوصل إلى اتفاقية بين الإسرائيليين والفلسطينيين على محمل الجد، في حين أن دوافعه الحقيقية هي تحقيق مصلحة بلاده بصرف النظر عن مصالح الآخرين. كما يريد أن يهدئ الدول العربية ويبقي على تحالفها قائماً كي تكون عوناً له في محاولاته للحد من النفوذ الإيراني في المنطقة.
على الرغم من حقيقة أن الرئيس بوش و"كوندوليزا" عندما خططا لغزو العراق، بدلاً من العمل من أجل حل القضية الفلسطينية، كانا هما اللذان تسببا في تعزيز النفوذ الإيراني، والأصولية الإسلامية، والمشاعر المناوئة لأميركا في المنطقة. وإذا ما عرفنا أن "كوندوليزا" كانت قد وصفت جهود الوساطة التي تقوم بها بلادها بغرض التوصل لاتفاقية سلام، بأنها قد لا تكون قادرة في حد ذاتها على تحقيق النجاح، فإننا ينبغي أن ندرك أن تحقيق أي اختراق في مؤتمر أنابوليس، وإن كان سيكون أمراً مثيراً إلا أنه لن يسهل من مهمة رايس في تغيير سمعتها من النقيض إلى النقيض، بحيث تقترن بالنجاح هذه المرة، وليس بالفشل الذي لحق بالكثير من سياساتها في الشرق الأوسط، والتي يمكن بيان بعضها كما يلي:
أولاً: فات "كوندوليزا" إدراك المغزى الحقيقي للإيجاز الصحفي اليومي للبيت الأبيض الذي عرض في أغسطس 2001، والذي كان عنوانه: "أسامة بن لادن مصمم على ضرب أميركا".
ثانياً: فشلت رايس ورئيسها في إدراك أنهما عندما يقومان بإضعاف العراق، فإن ذلك سيعني تلقائياً تقوية إيران.
ثالثاً: عندما كتب "برينت سكوكروفت" -الرجل الذي أغرى رايس بالالتحاق بالعمل ضمن فريق جورج بوش الأب- مقالاً في صحيفة "وول ستريت جورنال" عنوانه "لا تهاجموا صدام"، فإنها لم تكلف نفسها عناء الاتصال بالرجل كي يشرح لها المنطق الذي ينهض عليه مضمون مقاله.
رابعاً: في عام 2006 عندما غزت إسرائيل جنوب لبنان، ولقي الكثير من المدنيين مصرعهم، تسببت كوندوليزا ورئيسها في إثارة غضب الأمم المتحدة والدول العربية، عندما لم يتوسطا لإقناع إيهود أولمرت بوقف إطلاق النار.
خامساً: وفي نفس ذلك العام، تجاهلت رايس تماماً مغزى فوز "حماس" في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية.
وهي تحكي عن ذلك قائلة إنها كانت تمارس الرياضة عندما قرأت على شاشة التلفزيون أن "حماس" فازت في الانتخابات. وعندما أنهت حصتها التدريبية، وحاولت الاتصال بالدبلوماسي الأميركي الموجود في الأراضي الفلسطينية كي يعطيها صورة كاملة عن الموقف، ولم تتمكن من ذلك، فعلت الشيء الذي يتوقع أي أحد من وزيرة خارجية "بوشية" أصيلة أن تفعله، وهو العودة لاستكمال تمريناتها الرياضية.
وفيما بعد قالت رايس لأحد الدبلوماسيين: "غير أنني لم أقض وقتاً طويلاً لأنني كنت أحس أن اليوم سيكون يوماً طويلاً". كان اليوم طويلاً بالفعل كما قالت رايس، وكانت هذه إحدى المرات القليلة التي امتلكت فيها الوزيرة البصيرة السليمة بشأن مسألة من مسائل الشرق الأوسط. ألم يكن اليوم طويلاً بالفعل كما قالت رايس؟!
ــــــــــــــــ
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"